التغيرات المتسارعة على جبهات السيطرة في شمال وشمال غرب سورية بعد إطلاق هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة المصنفة على لوائح الإرهاب العالمية) عملية ردع العدوان والسيطرة على مناطق نفوذ جديدة منها مدينة محافظة حلب ومدينة حلب، لتقوم الفصائل المسلحة الأخرى وما يسمى (الجيش الوطني السوري) بإطلاق عملية موازية بأيعاز من الدولة التركية للسيطرة على مناطق الشهباء التي يقطنها النازحون قسراً من عفرين.”

أدت هذه العمليات إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، حيث أجبر عشرات الآلاف من الكورد على النزوح مرةً مع بقاء أكثر من 100 مدني كردي داخل أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب محاصرين، بالإضافة إلى أكثر من 5000 إيزيدي في هذه الأحياء والآلاف من سكان بلدات نبل والزهراء والمسيحيين في حلب تحت تهديد الفصائل المتطرفة.

تتجلى المأساة في قصص الأطفال الذين فقدوا ملاذهم الآمن، والنساء اللواتي يحملن آلام الفقد والتهجير، والرجال الذين يجدون أنفسهم بلا خيارات في ظل انعدام الأمان.

نزوح 20 ألف عائلة

حوالي 20 ألف عائلة نزحت إلى مناطق الإدارة الذاتية، حيث يواجه النازحون ظروفًا قاسية ومأساوية. مع الافتقار إلى أبسط مقومات الحياة.

استطاعت مبادرة دفاع الحقوقية إلى توثيق شهادات بعض النازحين والفارين من بطش الفصائل التي استولت على ارضهم ومنازلهم

محمد رجو:

هُجرت من عفرين إلى تل رفعت، وكنت أُصبّر نفسي على مصاعب ومرارة النزوح بأملي أنني سأعود يومياً إلى بيتي في عفرين. بعد هجوم فصائل الجيش الوطني على مدينة تل رفعت، اضطررنا للخروج من المدينة لنحافظ على حياتنا وكرامتنا. نعلم كم هم حاقدون علينا، لكننا لا نفهم سبب هذا الحقد وهذه الكراهية.

أثناء دخولهم، اضطررت أن آخذ عائلتي إلى بعض الأراضي الزراعية القريبة من مدينة تل رفعت في قرية الوحشية، واختبأنا هناك لمدة يومين دون طعام أو شراب في البرد الشديد. كانت هناك عائلة بجانبنا لديها طفل رضيع ظل يبكي أكثر من ساعتين. جاءت والدة الطفل وطلبت منا بعض الحليب، وعندما أدركت أنني لا أملك شيئًا يساعدها هي وطفلها، شعرت بالعجز. حاولت أن أمسك دموعي كي لا يراني أطفالي وأنا أبكي، لكنني لم أستطع.

بعد بقائنا ليومين، سمعت أن هناك قافلة ستخرج بتنسيق من تل رفعت إلى مناطق الإدارة الذاتية، فقررت أخذ عائلتي إلى القافلة. اتجهت القافلة إلى معبر دير حافر، وفي كل مسافة على الطريق كانت هناك تجمعات لعناصر مسلحة لا أعرف أسمائهم، لكنهم كانوا ينادون: “يا خنازير، جايينكم يا خنازير!”

بعد عبورنا إلى منطقة الطبقة، رفضت البقاء بعيدًا عن عفرين، لذلك قررت المجيء إلى كوباني، لأنها تقربني من عفرين.

نوري محمد:

سائق شاحنة من كوباني، تطوع للذهاب إلى مناطق الشهبا لمساعدة النازحين في نقلهم إلى مناطق الإدارة الذاتية. يقول في إفادته لمبادرة دفاع الحقوقية:

“خرجنا على دفعتين، كل دفعة تضم 7 شاحنات، بالإضافة إلى بعض الأهالي الذين يمتلكون سيارات خاصة. في البداية، كان الطريق آمناً بعض الشيء، لكنه لم يخلو من وجود مسلحين على امتداد الطريق الذين لم يتوقفوا عن شتمنا مرارًا.

لكن عند وصولنا قرب النقطة الفاصلة في دير حافر، حاول المسلحون استهدافنا بإطلاق الرصاص. قسم منا نجا بإعجوبة، بينما تعرض بعض النازحين للإصابات.

إلى الآن، لا أصدق أنني قد نجوت ووصلت إلى مدينة الطبقة سالمًا.”

نازك:

فتاة نازحة من عفرين إلى مدينة تل رفعت، قالت في إفادتها لمبادرة دفاع الحقوقية: ” اثناء الهجوم على تل رفعت كنت في مدينة القامشلي لحضور عزاء أحد معارفنا، بينما زوجي ما زال متواجدًا في ريف تل رفعت. لم يستطع الذهاب إلى القوافل التي تم تجهيزها لأنه لم يملك أي وسيلة نقل. تواصلت معه وأخبرني أنه سيذهب سيرًا من قريتنا (قرية زيارة) إلى تل رفعت للحاق بتلك القوافل.

بعد ساعات، عاود الاتصال بي وأخبرني أنه عاد إلى المنزل لأنه رأى دوريات لفصائل من الجيش الوطني تعتقل شبابًا في القرية وتقوم بتعذيبهم في الشارع. وأثناء اتصاله بي، كانت أصوات الرصاص تصلني من بعيد. كان هذا آخر اتصال بيني وبين زوجي، وكل ما أعرفه هو أنه تم اعتقال الكثير من الشباب في قريتنا.”

 

حالات القتل

وثقت مبادرة دفاع الحقوقية العديد من حالات القتل ضمن منطقة الشهبا وفي عفرين وحلب، ومن بين هذه الحالات:

عبدالمنان عبدالله وهو معتقل سياسي سابق قضى 8 سنوات في سجن صيدنايا. قتل على يد الفصائل المسلحة بعد نشوب مشادات كلامية بينهم وبين الضحية في مكان إقامته بمساكن معامل الدفاع في مدينة #حلب، وبحسب الشهادات  قام العناصر بضربه حتى فارق الحياة.

أحمد حسو من قريبة عشقيبار التابعة لمدينة عفرين  تعرض للقتل في مدخل مدينة تل رفعت اثناء محاولته الخروج من المدينة وقامت الفصائل المسلحة بسرقة سيارته بعد مقتله.

 

حالات الاعتقال

وثقت مبادرة دفاع الحقوقية العديد من حالات الاعتقال ضمن منطقة الشهبا وفي عفرين، ومن بين هذه الحالات:

 

–             حنيف محمد، 55 سنة، من قرية كورزيله، تعرض للضرب أمام زوجته أثناء عودته إلى مدينة عفرين. وعندما حاولت زوجته إبعاد مقاتلي الفصائل عنه، تعرضت للضرب هي أيضًا. بعد ذلك، تم اعتقال حنيف، وتم إسعاف الزوجة من قبل بعض الأهالي إلى  مستشفى ابن سينا.

–             دجوار، شاب عمره 25 عامًا من قرية بعدينو، تعرض للاعتقال من قبل القوة المشتركة أثناء عودته إلى عفرين

 

وثقت مبادرة دفاع الحقوقية اعتقالات عشوائية في كل من قرية زيارة وقرية عقيبة وبحسب تواصلنا مع اشخاص  متواجدين في القريتين فإن الفصائل المسيطرة على تلك القرى تقوم بتعذيب المعتلقين في ساحات القرى.

 

تظهر هذه المأساة بوضوح الحاجة الملحة لتدخل دولي فوري يهدف إلى حماية المدنيين ووقف الانتهاكات ومنع أي عمليات انتقامية ضد المدنيين الكرد والمسيحيين والإيزيديين والشيعة، على هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية التحرك الفوري لتأمين احتياجات النازحين وإغلاق الطريق أمام كارثة إنسانية تهدد حياة الآلاف منهم.

التعليقات معطلة.